ما نتطلَّع لورا

غفوت بالفجر لأحلم بها، تلك الجميلة التي لن أعترف لها بحبي أبدًا، بشعرها الأسود القصير وعينيها الواسعتين، وخطوط الليل التي تطوف حولهما. في يابسٍ يتسع مدى البصر وربما أبعد، والأزرق يلتحم بحدود الأخضر، وقفت وحيرتي تلتف بي أن ألمح إشارة تدلني على الطريق نحو مجهولٍ لا أعرفه.

حتى لمحتها تركض نحوي والشمس تتبعها، بينما ترّنم فيروز من حولنا: يا مريمُ البكر فُقتِ الشمسَ والقمرَ، وكل نجمٍ بأفلاكِ السماءِ سرى.. يا نجمة الصبحِ شِعِّي في معابدنا، ونوّري عقلنا والسمع والبصرَ. وبدا أنني في ظهورها قد وجدت ضالتي. جذبتني هي من يدي، وسألتني بابتسامة ساخرة من بلاهة نظرتي: إنت بتروح فين؟

كان السؤال الذي لم أفهمه، لأنني في ذلك الحلم وذلك المشهد تحديدًا أقف أمامها وجهًا لوجه للمرة للأولى في حياتي، لأشهد ملامحها تتحرك وشفتاها تنطق أمامي، أتأملها كمن احتمى بضيّ القمر فوق رمال شاسعة في ليلٍ حالك لا يمُر.

هل كنا في سيوة، أم الأقصر أم الفيوم، لا أدري حقًا لكني في اللحظة التالية وجدتنا نركض بحيرة نحو واجهة تعلمها هي، ثم وقفنا لتخبرني أننا قد لا نصل وأخرجت كاميراتها لتصور نظرة السكينة والحب التي ترتسم على ملامحي.

لسنواتٍ طويلة غاب الحب عن روحي، كنت أقف أمام المرآة لأدرك أنني لم أعد أعرفني، لا تمس حرارة الهوى جلدي ولا تغويني أن أنتظره. ظللت طويلًا أخاف أن أعري هشاشتي أمام أعين الغرباء، وعيني.

حين وقفت عاريًا أمام عدساتها للمرةِ الأولى، مررت عينياها عبر جلدي لتلمس ما أخفيه من تحته، ارتعشت أنفاسي حين لمست أصابعها ندوبي. في رهبةٍ لم أعهدها من قبل، لمستني وكأنها تراني، وكأنها عرفتني كما لم يعرفني أحد قط. وأمامها فقط، علمتُ أنه لم يعد عليّ أنا أخاف بعد اليوم.

غدًا نركض نحو المجهول دون أن نخاف غياب الإجابات، أينما تضعنا احتمالات الحياة، نصنع إجاباتنا بينما نطالع السماء بزرقتها الحالمة، لا يهم الوصول ولا إشارات القمر ودلالاته، نركض وكما تقول سلمى مصفي: ما نتطلَّع لورا..

  • لوحة “Moonlight” من عام ١٩٠۹، لرسام الرومانسية الجديدة النرويجي هارالد سوهلبيرغ.