وغُنا اليمامة: حوار مع تامر أبو غزالة

  • الغلاف: تامر أبو غزالة – بعدسة: عمر مصطفى

خلال دقائق كنا بين جدران عالية لغرفة واسعة تخلو من كل شيء إلا المساحات، وكنبة صغيرة ومكتب بجانب الشباك المغلق. دخلنا المطبخ، أعدّ لي تامر كوبًا من القهوة، ثم عدنا إلى غرفة الانتظار حيث استكملنا حديثنا العملي العابر قبل أن اخرج هاتفي واسأله مبتسمًا، نبدأ يلَّا؟

رفيق محفوظ: ليه الإخفاء؟

تامر أبو غزالة: الاسم؟ شبه المزيكا شوية، شبه المزيكا في إنها مش حاجة ليها معنى لغوي مباشر، بس وقع الكلمة وحالتها شبه المشروع جدًا، مش بمعنى إن المشروع يعبر عن الاختفاء، لكن شبه تجميعة الأدمغة وطريقة شغلنا اللي مرتبطة بتجميعة ستايلز وآلات وإلهامات مختلفة عن بعضها إلى آخره.

طبعًا في الآخر بالنسبة لي -بس بشكل شخصي مش بالنسبة للفرقة- الإخفاء مشروع له علاقة بالمدينة جدًا، القاهرة، المشروع مليان عناصر جدًا كتير زي القاهرة، مجتمع كبير على بعضه مكوَّن من طبقات كتير فوق بعض بزخم كبير جدًا طول الوقت، فالعنصر الواحد فيهم مختفي، عشان تدوَّر على حاجة لازم تغوص في الزحام مهول، فهو مختفي في الزحام وإنت كذلك. أنا بالنسبة باشوفه هناك أكتر.

رفيق: شوية الاسم فيه تلاعب بالمستمع، اسم لعوب بمعنى إنه بيشرح اللي بيحصل للمستمع لما بياخد الألبوم لأول مرة ثم تغرق فيه مرة واتنين؟

تامر: *يضحك* والله أتمنى ذلك، مش عارف أنا ماكنتش مستمع ساعتها، بس لو ده الأثر على المستمع تبقى حاجة ظريفة جدًا.

رفيق: لما بدأتوا فعليًا المشروع إنت ومريم وموريس كنت متردد بالبداية تلعب أي آلة، بزق ولا عود أو باص، كمان كنت متردد حيال فكرة إنك تغني، ليه؟

تامر: والله أنا كنت عادة كبني آدم كنت باحب احدد الحاجات، كل واحد دوره إيه، كل واحد جاي يعمله إيه عشان ليلتنا تكون واضحة وصريحة، لأنه في الآخر كل واحد فينا بيعمل حاجات كتيرة قوي، مثلًا موريس مؤلف وموزع وبيلعب آلات كتيرة وله أدوار كتير، وأنا كذلك باعزف آلات كتيرة وباغني وبالحن وباوزع، وهكذا.. مريم بتعمل ده في شغلها برضه. فقصدي عشان التجميعة دي عشان تظبط كنا محتاجين نتفق سوا مين هيقوم بأنهي أدوار. بس في الحقيقة يعني مع الوقت ومع تجربة الإخفاء بالذات اكتشفت إن ده مش صح، ده مش أحسن حاجة خالص، الرك بيبقى على إن إحنا كفريق مش محتاجين نحدد حاجة، علشان في آخر لو أي حد عنده حاجة يقدر يزودها وكله حبها، يبقى هي دي فعلًا الحاجة اللي كان لازم تتزوِّد، أو تتنقَّص.

رفيق: يعني إنه دايمًا يكون فيه مساحة مفتوحة للتجربة، والإتجاه لمكان تاني.

تامر: بالظبط، مفتوحة للتجربة أكتر، إنه لو جت لأي حد فكرة خلال عملية خلق الأغنية، مافيش أي مانع لده، لو أنا جاي اعزف عود وجالي إلهام جملة بزق، فليه ما العبش جملة بزق، فهي حصلت كده في الآخر يعني.

رفيق: يعني الأول إنتم بدأتوا الموضوع لألبوم لمريم؟ أم كان تعاون ثلاثي؟

تامر: لأ خالص، هو ماكانش تعاون ثلاثي في الأول، كان تعاون ثنائي بين موريس ومريم، وثنائي بيني وبين موريس، هو بدأ كده أصلًا كفكرة، وبعدين اتطورت الفكرة إنه ما نقعد إحنا التلاتة ما دام كده كده أنا ومريم بنشتغل مع بعض، وكذلك مريم وموريس، وأنا وموريس كمان اشتغلنا مع بعض. فحصل القرار ده بإنه نعمل كل حاجة مع بعض. بس هي كانت المرحلة اللي سبقت القرار ده اللي حملت تساؤلات نعمل المشروع إزاي إحنا التلاتة أو لوحدنا.

بعد أيامٍ من حفل إطلاق الإخفاء بالقاهرة، اتفقت وتامر على أن نلتقي ونتحدث سويًا عن موسيقاه، كجزء من تحضيري لتحليل موسيقي موسَّع كتبته لـ منشور عن الإخفاء في هذا الوقت. لطالما انتظرت تلك المقابلة، منذ تعرَّفت على موسيقاه منذ ما يقارب السبعة أعوام.

رفيق: مرآة، أينما ارتمى، ثلث والإخفاء، بكل تنوعاتهم التوزيعية والاختيارات الشعرية المتباينة تمامًا، وحتى أسلوب الأداء، هل فيه عنوان بتميِّز عبره كل مرحلة عن التانية، هل بتشوفهم كمراحل زمنية ومحاكاة لكل مرحلة أم تجربة تراكمية؟

تامر:أكيد الاتنين، يعني كل تجربة منهم زودتني واتعلمت منها حاجات فضلت في المشروع اللي بعده، سواء على المستوى الأدائي أو المستوى التقني، على مستوى الاختيارات والتعامل مع موسيقيين تانيين، كل الحاجات دي فادت في اللي جه بعده.

وفي نفس الوقت، كل إصدار مثِّل مرحلة اهتمام ليَّ مختلفة عن كل مرحلة تانية، في مرآة مثلًا كان الإهتمام أكتر وبشكل أساسي في موضوع التلحين، وإزاي لحن الأغنية يكون مختلف وإزاي يكسر حواجب وقوالب ما، فكانت مرآة تجارب في التلحين في الألف، تجارب في التعاونات. أنا عملت تعاونات كتير قبل كده، بس دي كانت أول مرة يكون فيه مجموعة دورها إنها تلهم وتستلهم من بعض، ويطلعوا بنتيجة مشتركة، وده كان أول مرة يحصل بشكل مركز بالنسبة لي، فالألف كانت مرحلة التعاونات.

في ثلث، كان الميل أكتر في اتجاه الغناء ويزيد عن مرآة في إن التوجه كان على التوزيع مش بس التلحين، وفي التوجه الصوتي بتاع الشغل بس اللحن بتاعه.

أما الإخفاء، يمكن لسه بدري على إني افهم إيه اللي حصل، بس يمكن هي فعلًا مبنية على تراكم اللي فات بس من منظور مفتوح أكتر، يعني هو كان تجربة فيها كل العناصر السابقة. يعني الإخفاء مثلًا، الظريف فيه إنه يعتبر فعلًا شغل كل واحد فينا لوحده بس هو شكل مشترك.

رفيق: تقصد إنه تراكمية للبناء الفردي لكل واحد فيكم على حدة لما جمعتوه على بعضه؟

تامر: بالظبط، الميزة دي، هو فعلًا عامل التوازن ده بين كونه تعاون مشترك وكون فردي بيحضر فيه صوت وشخصية كل موسيقي فينا حاضر موجود وحاضر بالكامل.

رفيق: تعاونت مع مريم صالح كتير في إصداراتها، بعيدًا عن الشق الإنتاجي، كمان إنت قمت بالمشاركة بالتوزيع في كتير من أغانيها. من ناحية صناعة الموسيقى، ما بتفكر تتوسع في توزيع أعمال موسيقيين/مؤديين تانيين؟

تامر: ماعنديش أي اعتراضات بخصوص التوزيع أو التلحين، هو بس دايمًا العنصر الفاصل هل في الوقت الحالي عندنا رؤية مشتركة وهل الوقت بيسمح ولا لأ، ده دايمًا اللي بيفرق ده يحصل ولا ما يحصلش.

رفيق: تسكر تبكي، صاحبها حالة كبيرة من الحيرة حيال نشرها في الوطن العربي أو عدمه. بدءًا من عدم إصدارها في الألبوم، ثم تشفير بعض الكلمات خلال غنائها في حفل إطلاق الإخفاء، ثم إصدارها مشفرة على يوتيوب، وغير مشفرة على أنغامي وباقي خدمات الاستماع المدفوعة. إيه الفكرة ورا كل التردد ده؟

تامر: مافيش، هو مش تردد. من الأول كان قرار الشركة المسؤولة عن الإطلاق وهي مستقل إن أغنية تسكر تبكي وأغنية الشهوة والسعار ينزلوا في النسخة العالمية مش نسخة العالم العربي، حتى الإسطوانة المطبوعة برة العالم العربي فيها عشر أغان، بينما نسخة العالم العربي تمان أغنيات.

الفكرة إن هنا في المنطقة العربية وسائل التوزيع لها قوانينها ومتطلباتها مختلفة عن بعضها، وأغلبها ما يسمحش ينزل المحتوى ده، فالأمر جزء منه له علاقة بمنصات التوزيع وجغرافيتها.

رفيق: غالبًا الشهوة والسعار حُذفت احتياطيًا بما إنه الرقابة معروفة بتعنتهم ومعاييرهم الهلامية في تمرير بعض التعابير والجُمل، فإنه كان وارد يمنعوها بنفسهم لاسمها؟

تامر: ده يرجع لمستقل أكيد، لكنه الاحتمال الأغلب والأوقع.

في البداية كان الإتفاق أن نلتقي بمقهى على مقربة من مقر شركة إيقاع بالعجوزة، سبقني هو مسرعًا، وانتهى من جلسته فهاتفني ليسألني أين وصلت، بينما أنا عالقُ على كوبري أكتوبر ولا أخفي حماسًا. وصلت لأجد كاپتن السيارة التي استقلها لا يملك من المال ما يكفي الفرق، أخذ بضع دقايق يفك أمواله المجمدة وأنا انظر في الناحية الأخرى من الشارع حيث المقهى الذي ينتظري فيه تامر.

رفيق: سركون بولص، فيحاء عبد الهادي، تميم البرغوثي، محمود درويش، سلام يسري، رامز فرج، وأخيرًا غنيت كمان من كلماتك، من ناحية اللغة، إنت مرِّن لغويًا بشكل سمح لك تغني وتلحَّن كلمات سلام يسري بعامية مصرية صلبة، حتى مع نصوص رامز فرج، اللي صوتها أثقل وأنضج كتير من العامية، ثم تغني في الإخفاء لأول مرة من كلمات ميدو زهير، بالنسبة لك إيه الاختلاف هنا من ناحية التوزيع والتلحين، وحالة النص؟

تامر: من وقت ما كنت شغال مع مريم في ألبوم مش باغني، عرفتني على شغل ميدو، لأنهم بيتشغلوا من قبلها بكتير. من ساعة ما شفت كلماته وأنا باعتبره أهم شعراء جيله، وبالنسبة لي دائمًا كان نفسي اغني كلماته بس ما ظبطت الظروف قبل إنه يحصل. من أول ما قعدنا نتكلم في مشروع الإخفاء، مريم رشَّحت ميدو، وموريس كمان بيحب شغله، فلقينا إن هو ده اللي بيعبَّر عن اللي بنحاول نطلعه بالمزيكا في الألبوم. طبعًا الكلام بيفرق كتير، في حالة ميدو فيه تلقائية وعفوية وجمال لغوي وتعبيري بينتج حالة مختلفة عن اللي غنيته قبل كده، وله كمان خصوصيته.

رفيق: طب مين كمان من الشعراء كمان بتفكر تغني لهم؟

تامر: مافيش اختيار مسبق، عادة الحاجات الحلوة اللي لقيتها غالبًا اشتغلت عليها، بيكون الموضوع أقرب لإن حد بيعرفني على نص، باقع عليه بالصدفة، كده أكتر.

رفيق: لحظة تنوير أكتر؟

تامر: بالظبط، طبعًا بشكل عام فيه صعوبة في إيجاد كلمات اقدر اقول إنها بتعبَّر عني، وفي نفس الوقت اقدر اغنيها للناس. فيه كُتَّاب كويسين أكيد، كلمات كتير حلوة كشعر أقراه، بس قليل لما تكون ذاتية.

رفيق: هل يتخفى تامر وراء النص؟

تامر: *يضحك* بمعنى؟

رفيق: بمعنى إن تامر مش مغني ميلودرامي، عادة بيحاكي حالة النص بكثافة لكنه بيظل منفصل عنها، بس في الإخفاء بما إنه النص أكثر ذاتية، هل يتخفى تامر وراء الغناء كوسيلة وحيدة للتعبير الذاتي؟

تامر: مش بالضرورة، في الإخفاء شق كبير من الأداء مبني أكتر على الصوت واللحن والحالة أكتر منه على التعبير الذاتي، فالتعبير ظاهر في صورة العمل كليًا أكتر من الأداء وحده.

رفيق: يعني مثلًا كلمات ثلث أو مرآة أو أينما ارتمى كانت عامة أكتر، بتحاكي مشاهد شوية مسرحية، لكنها مش بالضرورة لبطل بيسرد معاناته أو حالته، إنما في الإخفاء، نص ميدو زهير ذاتي جدًا، يكاد يكون أكتر أعمالك اعتمادًا على نصوص مباشرة وذاتية. بالنسبة لك كمان الموضوع كان مباشر وذاتي أكتر؟

تامر: مباشر في كلماته، بس لا أظن إنه فرق في تناول الأداء، دائمًا تناول الأداء أهميته إنه يخدم العمل ككل أكتر من إنه يخدم ذاتي، لأنه بالنهاية العمل هيعبَّر عن ذاتي. تسكر تبكي كمثال، أحداث الأغنية الحرفية مش بالضرورة مرتبطة بي ذاتيًا، لكن حالة الأغنية مرتبطة بي.

رفيق: التراك الأخير لك مع أوازو تِمپت، مش عارف إيش وليش، بعيدًا عن كونه فشيخ *يضحك تامر* خلينا نقول هل فيه مجال لتعاونات موسيقية جادة مع موسيقيين أجانب، سكة أوسع من مجال الشرق الأوسط، تعاون مثلًا مع إيرك تروفاز، أو شيء تجريبي زي شغلك مع أوازو تِمپت؟

تامر: فيش خطط، بس أحب ده أكيد، لأنه في الآخر مش هيفرق معي الموسيقي اللي هاتعاون معه منين أو ثقافته إيه، اللي هيفرق هل عندنا تساؤلات مشتركة في العمل وهل بنقوم بإلهام بعض في المزيكا. وده عشان نحدده لازم نعرف الناس كويس، وده صعب يحصل بمجرد إنك تسمع شغلهم، ناس كتير باحب شغلهم لكن أفكارنا مش بالضرورة متقاربة، المبدأ نفسه جميل لكن تنفيذه مش سهل عشان تكون حاجة باعملها وأنا راضي عنها.

رفيق: التعاون مع أوازو تِمپت حصل إزاي؟

تامر: هما كانوا بيعملوا ألبومهم، واشتغلوا مع موسيقيين في بيروت، وكانوا محتاجين نوع معين من الغناء على التراك ده، فلما سمعوا شغل الألف فكروا في إنه صوتي وطريقة غناي مناسبة لده، كلموني وسمعوني الشغل فحبيته جدًا، كنت وقتها في جولة بفرنسا فقعدنا مع بعض في پاريس، وسمعوني التراك أكتر وقعدنا نجرَّب وحبينا النتيجة بالآخر.

رفيق: هو فعليًا غناك بتراك مش عارف إيش وليش كان بناء على تنوعات لجملة لحنية واحدة، مش زي عادة الأداء عن تامر أبو غزالة، حيث التنقلات بين الجمل واضطربات في الحالة أو صدمات. لم يكن هنا أيٍ من الحاجات دي.

تامر: صحيح فعلًا، شبه حالة التراك، حالة واحدة بتتموَّج وتتحرك ببطء مع عناصر تانية زي البايس والعود والپروغريشن والهارموني، بتتطوَّر كلها عشان بس لتعبر عن نفس الحالة أكتر من إنها تغيَّرها، لذلك الغناء اتبع نفس المعادلة بالآخر.

رفيق: أول ظهور أدائي كامل لك مع مريم، لكنكم شغالين سوا مع بعض من ألفين وحداشر، بتتشابهوا في سمات فنية كتير رغم اختلاف لغة تعبيركم موسيقيًا، وبتختلفوا كليًا عن بقية الموسيقيين في ما يسمَّى بالمشهد المستقل، تعاونكم سوا بدءًا غيَّر إيه وأثر فيك إزاي بعد مرآة؟

تامر: يعني من أهم الحاجات اللي اتعلمتها من مريم هي أهمية الحالة، أنا كنت باعطي أكبر أهمية للحن، زي في مرآة كده، وكنت بدأت أبني عليه في التجربة بالتوزيع، بس في نفس الوقت لما جرَّبت بالتوزيع معها في ألبوم مش باغني، فهمت من الشغل معها قد إيه الحالة بتفرق. مريم أقوى حاجة عندها هي حالتها الأدائية والحسيّة، حتى في الأعمال اللي بتقوم بتلحينها، قد إيه ألحانها بسيطة وفي نفس الوقت قادرة على التعبير عن حالة قوية، وده شيء صعب ونادر جدًا وبيظهر في أغنيات زي طول الطريق، وحدي، إصلاحات. التعاون معها وزن عندي الناحية الحسيّة بين التلحين والأداء.

هاتفني مرة أخيرة ليخبرني إنه طالعٌ على الميدان، حيث أقف أنا، وأننا سنتوجه للمكتب ونجري المقابلة هناك، فقلت لا مانع واتجهت إلى حيث التقيه مسرعًا نحوي، مرتديًا شيرتًا رماديًا وشورت كحلي وابتسامته هادئة. في طريقنا إلى مكتبه تحدثنا عن عزلة حيّ العجوزة عما يحيطه ازدحامًا، هدوءها حذر. سألني عما درست بالأعوام الماضية، فحدثته بعضًا عن هروبي من مجال الصحافة وعملي الحالي وكرهي لحيّ المعادي.

رفيق: نقدر نعتبر مرآة كان وضع لحجر الأساس لتوجه تامر أبو غزالة لاحقًا؟

تامر: لأ خالص، مع الوقت اكتشفت إنه أكتر حاجة بتحركني في شغلي الشيء اللي عايز اتعلمه، وقت مرآة كنت عايز اتعلم التلحين، الأمر له علاقة باختلاف الإخفاء وثلث والألف، كلهم فيهم حاجات مشتركة، وكلهم أسلوبًا مختلفين عن بعض، إنه هاحب طول الوقت اشتغل على أنواع موسيقى مختلفة عن اللي اشتغله قبل عشان اتعلم، مش هاحب أكرر السكة نفسها كتير. مرآة فرق في إنه كان رغبة في الخروج من أنماط التلحين اللي مزهقاني.

رفيق: أحيانًا بيظهر في شغلك تأثر كبير بخالد وكميليا جبران، حتى إني باعتبره خط ممتد من عندهم وانتقل لك.

تامر: آه طبعًا. خالد جبران كان مشرف على آخر فترة من تعلُّمي العود والبزق والتلحين والأداء ونظريات الموسيقى. هو كان مدير قسم الشرقي في معهد إدوارد سعيد، كانت أغلب المواد اللي بادرسها معه أو تحت إشرافه مع مدرسين تانيين.

أهم حاجة كانت طريقته في العزف وطريقة تفكيره في التلحين، أنا مثلًا عزفت معاه في ألبومه الأول مزامير وده علمني كتير جدًا في العزف التلحين وتطور الألحان، ده كله جه من تأثري بخالد طبعًا.

كميليا موضوع تاني شوية، لأنها ما درست لي بشكل مباشر، بس شغل صابرين وشغلها الفردي ليهم تأثير كبير وكانوا مرجع مهم بالنسبة لي عن الموسيقى الفلسطينية الحديثة، كان فيه فترة شغالين كلووپ بعقلي من كتر ما هي حاجة لما اكتشفتها حسيت إنها جديدة ومختلفة وحالة خاصة جدًا ونادرة، خصوصًا كمان في الغناء، لأنها عملت حاجة ماحدش سمعها قبل كده بالعربي، فحقيقي كان لده تأثير مهوول. الاختلاف إنه مع كميليا عمره التأثر ما كان مباشر، كان تأثر مستمع شايفها حالة راديكالية.

رفيق: تجاربك مع الموسيقى الإلكترونية أو فكرة إنه تلعب تراكس منفصلة كليًا عن شغلك الحالي، ما لفتتش انتباه الحضور للأمر إلا لما لعبت سينث في حفل إطلاق الإخفاء. فينك من الإلكترونيك ميوزك؟

تامر: لأ مش موجود *يضحك* مغلق حاليًا. لأ هي القصة إني مش متمكن من الأدوات دي زي الأدوات التانية، دي أحد الحاجات اللي أحب اتمكن منها لأن الأمر محتاجة شغل وبحث كتير، وتجربة كتير في البيت وفلوس كتير عشان الواحد يشتري بيها المعدات، حاجات صعبة شوية. *يضحك* السينث مثلًا، أنا ما بالعبش سينث، بس زي أي آلة هارش تكنيكها وحابب صوتها هاحب اقعد ادعبس فيها لحد ما ابوَّظ الدنيا. السينث كانوا في البروفات كانوا بيفصلوا عنه الكهربا عشان يسكتوني، كنت بامسكه وما باعرفش ابطَّل. فكان الظريف إني في تراك عايز اوصل مافيش حاجة العبها ودور جمل السينث هو الأساسي، فقلت لهم هالعبها معكم ع المسرح.

رفيق: بعد كل التجارب الموسيقية دي، بتفكر تجرَّب إيه، عايز تعمل إيه من الناحية الفردية؟

تامر: بقالي فترة شغال على مجموعة أغاني جديدة، في الغالب هتكون ألبوم جديد، بس لسَّه ماعنديش فكرة هتخلص إمتى أو هتنزل بأنهي صورة، وفيه أغنية منهم هاقرر انزلها لوحدها ولا هانتظر الألبوم يخلص، حتى الآن هي مجموعة مش بطالة، فيه أغان منهم عملتها وأنا باسجِّل ثلث بس ماكانتش مناسبة له.

رفيق: وأخيرًا بالنسبة للألف، هل فيه أفكار مطروحة أم سايبين المجال للوقت لما ييجي؟

تامر: في الألف الحقيقة الفرقة حتى الآن متوقفين شوية، للأسف مافيش خطط حاليًا.

بعد انتهاء المقابلة، حدثني تامر عن تلك الأغنية التي ادمنها لـ برونو مارس، ثم تبادلنا بعضًا من ذائقتنا الموسيقية، قبل أن يستأذن تامر بالإنصراف للمكتب المجاور حيث تجري مقابلة عمل، وأظل أنا موضعي اتفقد الإيميل بينما أراجع أسئلة المقابلة التي سأجريها بعد ساعات، بمنزل موريس لوقا.

أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٧