مونولوج ذاتي قصير كتبته في مايو ٢٠١٩، من وحي نصوص وأعمال متفرقة للكاتبة والفنانة هدى ذكري.
في طريق العودة للمنزل أفكر كل يوم، كيف لا تتداعى الأفكار في تسلسلٍ منتظِم واحدة تلو الأخرى فأعرف أين تبدأ العتمة وأين ينتهي النور
أنا لست بكاتبٍ، فالكاتب لا تنقطع أفكاره وهو يكتب نص بسيط عن أغنية يحبها للينارد كويين، وربما أيضًا لست بفنان، لأن الفنان لا يحتاج لمخَرج من إشكالية انقطاع الإنتاج، لا يحتاج أن يعيد صياغة عنصر مكرر في مشهديةٍ أوسع حتى يخلق دلالاتها الجديدة. تنقطع وتيرة الأفكار فجأة، تمامًا كالكهرباء في الصيف.. يخاف شعري الصيف كما أخاف انقطاع صوت الأفكار.
هل نكذب حينما ندعي فهمًا للفن؟ هل ندرك ونعي تمامًا ماهية الفن وغرضه أم أننا نساير الأكاذيب التي لطالما قدسناها؟
لا يمكن للفنون أن تتخلى أبدًا عن ذاتيها، فحتى حينما يحاكي الفنان تجارب الآخرين عبر أدواته، يكشف اشتباك منظوره وخلفيته الفكرية مع ذلك العالم الجديد، يحكي عن نفسه وكيف يرى الأشياء بينما يحكي مباشرة عنهم، وبالتالي يقدم أبعادًا أكثر ذاتية حينما يحاول أن يهرب من ذواته، كما أهرب أنا من أفكاري.
يلازمني قلقي أينما أكون، أثرًا جانبيًا للحياة. أخاف عجلة التاريخ وسرعتها، أخاف الغرق في دراسة الماضي وضياع الحاضر إن وُجِد، وأخاف أن يكون المستقبل نفسه إعادة تدوير لذلك القلق الذي لا يمل مساومتي وأنا أتردد هل أغادر فراشي أم أعود للنوم.
يبدو الأمر أحيانًا كما لو أنني ولدت باحساس دائمٍ بالذنب، يختصني أنا وحدي، لكنه لا يمنعني من اقترافِ الحماقات وسحق النمل المسالم.
هنالك قدرٌ من التحرر في التخفف من المسميات، حينما يعرِّف المرء نفسه ككاتب أو فنان، يفقد قدرًا كبيرًا من حريته أن يخفق أو يتكاسل أو يتوقف عن الإنتاج جراء ألمه النفسي. يتنامى مع المسمى قلقي من الأحكام والمعايير، فلا أجد خيارًا إلا مساومة نفسي على كذبة صغيرة ارتسمها حينما اتنصل من كوني فنان وكاتب، لأن الصدق مفهوم مراوِغ.