كنا قد أنزلنا خالي إلى مرقده الأخير حينما حاولت الاتصال بها، لم يستجمع الهاتف شبكة للاتصال. كانت الأجواء هادئة، عاش عقودًا طويلة مع المرض قبل أن يرحل بهدوء مساء سبعة وعشرين، فصلينا الجنازة بعد الجمعة.
في طريقي إليها مررت على تظاهرات صغيرة بالشوارع المحيطة بمنزلي، لا لا الأمر ليس بهذه الجدية، قلت لنفسي وضحكت.
جلسنا سويًا نسمع الموسيقى ونتحدث، متجاهلين أن النادي أهدأ من المعتاد، وأننا غالبًا وحدنا اليوم.
حول العصيرة وأصوات تلك المسيرة تخترق المدى حولنا، سألتني هي، هل الأمر فعلًا بهذه الجدية؟ ضاع ذهني لثوانٍ قبل أن اضحك وارد بأنه لا، الأمر ليس بهذه الجدية أبدًا للأسف، نحن نذكر ماذا حدث على سلم النقابة، بضع ساعاتٍ كالعادة وتنزل القوات تحاصر وتعتدي وتبث الذعر في قلوب البيوت عبرةً فينتهي الأمر.
رؤوسنا تغرق في المساحات الخضراء، نطالع الشمس الناعمة احتفالًا بحرية لحظية أتاحها خوف الناس من التجمعات والهتافات بالشوارع، لم يكن هناك أحد، أبدًا، إلا نحن.
أغمضنا الأعين وغفلنا لساعةٍ تقريبًا، قبل أن يفزع الصحو على اسمها يُناديه موظف الأمن بإذاعة النادي، جاءت الأم تبحث عن ابنتها، وحيث أنه لا هواتف اليوم، كان ذلك هو الحل الوحيد.. فهرعت هي سريعًا من جانبي بعدما قبلتني وداعًا.
بعدها بدقائق، ارتجلت نحو البوابة الرئيسية، حيث مدير الأمن يسألني هلعًا لماذا أنا هنا الآن، قلت لا أعلم، جئت لأقضي اليوم، قال ألا ترى ما يحدث بالشوارع؟ هناك حظر تجوال والمدرعات في كل مكان. هاتفت والدتي بالبيت من مكتبه، طلبت منها إرسال السيارة.
في الطريق أخبرني السائق أن القوات ستطلق النار على كل من تسول له نفسه بالتجول الآن. لكني ما زلت لا أفهم ما يحدث، حاولت أن ابقى بعيدًا عن الحدث، ذلك التطلع اللعين إلى الانعزال عن الواقع لا يُفلح أبدًا.
تجاوزت تجمعات الشباب على مدخل شارعي ودخلت البيت بلا أية تعابير، قبل أن أفشل في تجاهل البث الحيّ على الشاشة.
رأيتُ النار.